الاثنين، 2 مايو 2016

أدريس جمّاع ، شاعريرثي حظه *بقلم : سيدمحمدالياسري

أدريس جمّاع ، شاعريرثي حظه
...........................
بقلم : سيدمحمدالياسري
إن حــظّي كــدقيـقٍ فـوق شوك نثــروه
ثُـمّ قــالــوا :لحـفاةٍ يــوم ريـح أجمعوه
عَظِــم الأمــرُ علــيهم ثُـمّ قالـوا: اتركوه
إن من أشقاه ربي، كيف أنتم تسعدوه
كثير منا من سمع بهذه الابيات ورددها ، حين يندب حظه يوما، وكثير من استلذ بها بألمه ، لكن ليس كأستلذاذ الشاعر ، حين نسى حظه ان ينسي كل من حوله ويجوب الطرقات ، كآخر ما يتذكر النّاس عنه ، انه يحاكي نفسه ، ولايفهمه الناس ، حين قرر ان يحادثها حديث الشجون للجنون ، انه الشاعر العربي السوداني أدريس جمّاع، بعدما تسلسل من عائلة ملوك الحلفاية ، ابن شيخ قبيلة العبدلاب ، بين الترف ، والجمال ، والمحافظة ، تلتف حوله ذكريات الناس ، انه صاحب قصيدة ( نومة الراعى) التي حفظوها والقاها منذ صباه ، ولد ادريس بن محمد جمّاع في ملوك الحلفاية بحري السودان عام ١٩٢٢م وفتح عينيه ان والده مانجلا للقبيلة العبدلاب بالسودان وخارجها، ودرس في الكتاتيب وحفظ القرآن وسط عائلة محافظة ، الا ان جنون الشعر يذهب به بعيدا عن قصر والده ، واخوته واقاربه حتى قالوا عنه ، كثير الاقتراب من الناس كثير الخلوة طيبا مجاملا حتى مع تلاميذه وطلابه حتى قيل انهم يسلمون عليه في الصباح حين افطاره فيرد السلام ويضع يده على صدره فيتسخ قميصة ، وتتكرر ، وعندها يتكرر حبه للطيبة والجمال فيتسخ قميصه ويبقى قلبه ابيض ، ذكي الفؤاد ، عبقري الطفولة كان يخترع للاقرانه العابا ، ويشدوا لهم الحاناً، في عام ١٩٣٠ م دخل الى المدرسة النظامية الاولية ( الابتدائي) ثم الى المرحلة المتوسطة بأم درمان ، بعدها ببخت رضا، التي تضم المتميزين ، وعرف هناك منها شاعرا بكل احتفالاتها ، واشتهر محلياً منها ، ثم عمل معلما بمدارس السودان ثم سافر الى مصر سنة ١٩٤٧ ليكما دراسته فيها ،تخرج بعدها بشهادة الليسانس باللغة العربية عام ١٩٥١ ثم عاد الى السودان ليكون معلما ثم مدرسا ، توفي والده فاختلفت القبائل على من يكون بعد محمدجمّاع مانجلا لقبيلة العندلاب ، وبعد اختلاف وتجاذب بين شيوخ القبيلة ، اعتلى المنبر ابن خالته الشاعر محمد محمدعلي وقال : انا سأختار لكم مانجلا ، ادريس جمّاع ، صمت الجميع ووافق عليه لخلقه الرفيع وسمو نفسه وتواضعه بين قبيلته وحب الناس له ، فلم يختلف عليه احد، تعرض ادريس جماع الى هزات مرضية عنيفة ، حاول علاجها في بداية الامر والسيطرة عليها فذهب الى لندن وفي المطار التقى بزوجين كان في بداية حياتهما الزوجية وكانت الزوجة جميلة جدا ، فتفائل بجمال العروس لرحلته من اجل العلاج ووقف امامها ينظر اليها بامعان فغضب زوجها فالقى هذه القصيدة الرائعة، التي غناها المطرب السوداني سيدخليفة:
أعلى الجمال تغار منّا ماذا عليك إذا نـــظرنا
هي نظرة تنسي الوقار وتســـعد الروح المعنّى
دنياي أنت وفرحتي ومنى الفؤاد إذا تمــنّى
أنت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنّا
هلا رحمت متيـماً عصـفت به الأشـــواق وهنّا
وهفت به الذكرى فطاف مع الدُجى مغناً فمغنا
هزته منك محاسن غنّى بها لما تغنّى
آنست فيك قداسة ولمست اشراقاً وفنّا
ونظرت في عينيك آفاقاً وأسراراً ومعنى
وسمعت سحرياً يذوب صداه في الأسماع لحنا
نلت السعادة في الهوي ورشفتها دنّاً فدنّا
ولاتزال هذه الاغنية هي صوت وفلكلور موسيقي للون الاسود ان صح التعبير فقد تغنى بها مطرب اثيوبي بلغته ، بنفس اللحن والطبقة الصوتية ، كما غنتها المطربة السودانية مكارم بشير ، وغنها بدبي عمار السنوسي مما جعلها لونا للافريقيا ،
وفي لندن ، ان الطبيبة التي تعالجه ، كانت ساحرة العينين ، وكان يحدق بعينيها بشدة ، وكانت عيناه اللمعتان من فرط الجنون ، ترعب الطبيبة فاشتكته لمدير المستشفى فقال :لها البسي نظارات،فدخلت عليه فقال:
السيف في غمده لاتخـشى بواتره
وسيف عــيـنـيك ِ بالحالـتين بـــتارُ
فقدقيل عنها انها انهارت بالبكاء عندما ترجم البيت الى اللغة الانكليزية وعندما عرفته شاعرا .
فقد عد بعض النقاد ان هذا البيت أبلغ بيتا في الشعر العربي على الاطلاق في الغزل وعد بعضهم انه في الشعر الحديث لما تتطابق احساسه مع مفرداته ، وقد سأل يوما العقاد عن صاحب الابيات التي اوردناها عن العروس في المطار
أعلى الجمال تغار منا
ماذا عليك اذ نظرنا
فقيل له : انه أدريس جمّاع
فسأل اين هو الان ، فقيل له في التيجاني مستشفى المجانين
فقال : هذا مكانه لا يقول هذه الابيات عاقل
كانت لقصة جنونه قصة حيث اخر ما رأت الناس منه مغبر مشعثا يجوب الطرقات ، حظه دقيق لم يستطع احدا ان يجمعه ، حتى انه بعث الى لبنان ، من قبل الدولة لمعالجته الا ان حالته ، غير قابلة للشفاء ، شاء عقله ان يركن ذلك الجسد الذي لم يحمله بمستشفى المجانين ، حاملا معه ذكريات حبه الاول ، وقيل ، ولم تؤكد هذه الرواية ، انه كان يعشق فتاة ، وقد اتفق على الزواج منها الا ان سفره الى مصر ، وسنينه فيها ١٩٤٧-١٩٥٢ اي بعد عودته وجدها متزوجة مما أثر في نفسه وقاده الى ما قاده من اتلاف اعصابه ، لكن لم يأتو اهله بهذه القصة في لقاءهم في تلفزيون السودان منه اخوته وبنت اخته سهيرمحمدمحمدعلي واخته ، الا ان بعض النقاد يشيرون ان قصيدة ربيع الحب كان ينشاد محبوبته هي لا غيرها :
فى ربيع الحـــب كنا نتساقى ونـــغــنـي
نتناجى ونناجى الطير من غصن لغصن
ثم ضاع الأمس مـنى
وانطوى بالقلب حسرة
اننا طيــفان فى حــلم ســــماوى سـرينا
واعتـصرنا نشـــوة العمر ولكن ما ارتوينا
انه الحــب فلا تســأل ولا تعـتــب علـــيـنا
كانت الجـــنـة مأوانا فضاعـــت من يدينا
ثم ضاع الامس منـي
وانطوى بالقلب حسرة
أطلقت روحى من الأشجان ما كان سجينا
أنا ذوبــت فـــؤادى لك لــحـــنـــا وأنــيــنــا
فارحــم العــــود اذا غــنــوا به لحنا حزينـا
ثم ضاع الامس منـي
وانطوى بالقلب حسرة
ليس لى غير إبتســــاماتك من زاد وخمر
بسمة منك تشع النور فى ظلمات دهــري
وتعيد الماء والأزهار فى صحراء عمــــري
ثم ضاع الامس منـي
وانطوى بالقلب حسرة
له قصائد وطنية ترتوي بوجدانه المتدفق منذ صباه وجنونه الشعري غير منتهي الى كل محبوب فكانت له عدة قصائد للوطن غنى كثير منها وكتبت اناشيد منها:
أيها الحادي إنطلق واصعد بنا
وتخــير فــي الــذرا أطــولــهـــا
نحن قوم ليس يرضى هـمهـــم
أن ينالوا في الـعـــلا أســـهلها
وفي قصيدة «سعير الكفاح» يقول:
سنأخــذ حـقـنا مهما تعالوا
وإن نصبوا المدافع والقلاعا
ينتمي أدريس جماع إلى مدرسة الديوان في الشعر العربي التي اسسها محمود العقاد وعبدالرحمن شكري والمازني ، فترك بين التجديد والقديم اثرا وحسا ووجدانا في الشعب السوداني خاصة وفي الوطن العربي ، وقد عدت قصيدة ( القضبان ) اخر ماكتبته ذاكرته ، ووجوده كشاعر ، يفيض من قريحته الحية للوجود الحانا شجية ، فتبكي عليها القصائد تناشدة الذكرى وهوفي التيجاني الماحي مستشفى المجانين تستنهضه علّه يستذكرها ، فلا يستذكر حتى قصيدته : وحشة الليل :
ماله ايقظ الشجون فقاست
وحشة الليل واستثار الخيالا
ماله فى مواكب الليل يمشى
ويناجى اشباحه والظلالا
هين تستخفه بسمة الطفل
قوي يصارع الاجيالا
حاسر الرأس عند كل جمال
مستشف من كل شئ جمالا
ماجن حطم القيود وصوفى
قضى العمر نشوة وابتهالا
خلقت طينة الأسى وغشتها
نار وجد فاصبحت صلصالا
ثم صاح القضاء كونى فكانت
طينة البؤس شاعراً مثالا
يتغنى مع الرياح اذاغنت
فيشجى خميله والتلالا
صاغ من كل ربوة منبراً يسكب
فى سمعه الشجون الطوالا
هو طفل شاد الرمال قصورا
هى آماله ودك الرمالا
كالعود ينفح العطر للناس
ويفنى تحرقاً واشتعالا
ختم حياته عام في ٢٤/مارس/١٩٨٠ م بعد صراع طويل بمستشفى المجانين بين ندب الحظ على حياة مملوءة حسرات وكبت من اجل المجتمع ، ليحدث نفسه ، وليترك الناس ، حتى ذهب الى مستقرة الاخير بعدما ترك له ديوان وحيد الذي جمعه اقاربه واصدقاءه وطبعوه ولم يحظ به بعدما فقد لحظات عمره . هكذا صار ديوانه ( لحظات باقية) .
ترك المانجل الشاعر ادريس محمد جمّاع ارثاً وعمرا خالدا وترك كل شيء بالحياة لاخر نفس وكأنه لايزال يقول :
إن حــظّي كــدقيـقٍ فـوق شوك نثــروه
ثُـمّ قــالــوا :لحـفاةٍ يــوم ريـح أجمعوه
عَظِــم الأمــرُ علــيهم ثُـمّ قالـوا: اتركوه
إن من أشقاه ربي، كيف أنتم تسعدوه
قصائده المنشورة:
أنت السماء.، أمة المجد.،قوم يا ملاك.،الطفولة ،.نغمات الطبيعة ،.نضال لا ينتهي.،ربيع الحب .،نحو القمة.إن حظي كدقيق.،ضمير له حدود ،رسالة الحياة .،طريق الحياة. ،بخت الرضا،.نومة الراعي.، صوت وراء القضبان .،دمي.،في مهب الريح.،الهلال،عالم الخلود. ..،ينابيع الشعر..،إني لأعجب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق